مريم...
لم تقطف الزهرة الثانية من عمرها بعد...
تحب اللعب كغيرها من الأطفال...
وكثيراً ما يسحرها جهاز الهاتف..
فهو لها...
عالم من آمال وأحلام..
تركض إليه مسرعة...
وترفع السماعة متلهفة...
فيكون هذا الحوار..
وأيّ حوار...
**** * * * ****
" آلو .. بــابــا "
أنا " مريومة "...
هـــل تـــذكـــرنــي..؟؟؟
"حبيبي بابا"...
اشتقت لك كثيراً
"فمــتـــى ستــعــود"...؟؟
بــابــا... بــابــا...
هل تذكر حذائي الأبيض الصغير...؟؟
مرسوم عليه فراشة تطير...؟؟
أصبح الآن عليّ صغير..!!
اشتروا لي بعده حذاء ثم حذاء ثم حذاء
وأنا إلى الآن لم أرك..
تعال أبي...
تعال..
ليتني كنت فراشة
فإليك أطير...
كان جديداً في العلبة عندما رحلت..
أنت اشتريته..
لماذا رحلت؟؟؟
قالوا عنك كلاماً كثيـــــر..
ماذا قالوا..؟؟
إرهابي؟؟
خطير؟؟
أنا لا أفهم ما يقولون...
لكني أريد أن نرجع إلى بيتنا الصغير..
أنا وأنت وأمي وألعابي...
" فهل سنعـــود"...؟؟
**** * * * ****
بــابــا..
هل تذكر بطن أمي الكبير؟
لقد أصبح أكبر وأكبر..
حتى صار كبيراً جـــــداً
مثل كرة..!!
هههههه
كان مضحكاً بابا
ليـتـك رأيته..!!
ثم..
جاءت إلينا طفلة صغيرة..
عمرها الآن شهران..
ماما تقول هي أختك..
هي أختك أيضاً بابا؟؟
أنـــت لــم تـــرهــا...
طفلة جميلة..
صغيرة مثل لعبة..
لكنها تبكي وتضحك وتتحرك..
لديها عينان وفم وأذنان..!!
ولها أيضاً يدان..!!
هل تصدق بابا؟؟؟
في يديها أصابع!!!
واحد .. اثنان... ثلاثة...
سبعة؟ خمسة؟
آ.. آ.. آ...
ماما تكمل عني...
**** * * * ****
يقولون يا بابا
أن أختي تشبهك...!!!
مثلما أشبه أمي..
ولكني لا أعـــرف؟؟
لأني يا بابا مـــا عــــدت جــيداً أتـذكــرك..!!!
لا... لا..
لا تحزن ولا تبتئس..
فما زلت اسمع صوتك..
اذكر حنانك وعطفك..
ولعبك..
همساتك.. قبلاتك...
ولا زلت يا بابا
أعيش حبك...
تعال بابا..
تعال..
أريد أن أراك..
أقبلك..
لكن..
لا تخش أبي..
لن يأتي أبدا يوما فيه أنساك...
**** * * * ****
أتعرف بابا؟
كثيرون ينظرون إليّ باستغراب..!!
ويقولون..
غريبة هذه الطفلة...!!
لم نر مثلها..عجيبة..!!
عمرها سنة ونصف
وتنطق بحروف سليمة...!!
تحفظ آي من القرآن..
وتردد شيئاً من الآذان..
هادئة-ولولا صغر سنها-
لقلنا... حكيمة..!!
وإذا سقطت..
فهي ليست كالأطفال تبكي..
وإنما بهدوء
تذكر الله وتسمي..!!
؟؟؟؟؟؟؟
علام يعجب هؤلاء؟؟؟
ألست يا بابا تقرأ عليّ الأذكار صباح مساء؟؟؟
منذ كان عمري اليوم واليومان؟؟
ألست تردد-في أذني- الآذان..
ألست تتلوعليّ القرآن..؟؟
عجبــاً لهـــم...!!!
ما ظــنــهـم بطفلة أبـــوهــا أنــــت؟؟؟
**** * * * ****
عندما يتحدثون عنك...
اسمعهم يتحدثون
عن شهيد
وجنان
وطيور خضر..
أنا لم أر يوما طيراً أخضر..
في بيتنا
حمام أبيض..
وفرخ دجاج صغير..
لونه وردي..
لم تكن أنت من اشتراه هذه المرة..
لم تكن موجوداً...!!
عمي اشتراه..!!
أصبح الآن كبيراً يا بابا..
صار ديكاً..
له ريش ذو ألوان..
تعال لتره
كنت ألعب معه..
أجري خلفه وأنا أضحك..
أو..
يجري خلفي وأنا أبكي..
لكني ما عدت اليوم أطيق اللعب معه..!!
ما عدت أحبه..!!
أريد أن ألعب معك أنــــت..أنــــت..!!
أحبـك بــابــا...
أحبـــك أنــــت..!!
هو لا يستطيع أن يرفعني بيده عالياً كما كنت تفعل..
ارفعني.. فــــوق... فـــــــوق...
لعلك تقول وأختك؟؟
تعال بــابــا..
لا بأس..
أنا بيد وهي بيد,,
أنا رضيت..
أنا رضيت, فهل قبلت؟؟
آه يـا بــابــا... متى ستعود...؟؟
**** * * * ****
هذه عمتي أقبلت إليّ..
معها لي لعبة وقبلة..
تنظر بطرف مشفق خفيّ
نحو أمي وجدتي..
تبستم لي وفي عينيها أثر لدمع نديّ
أعرف عمتي...
أعرف ماذا تريدين منيّ..
هذه السماعة خذيها عنيّ..
لكن لحظة!
لا أعرف لماذا يبكون..؟؟
كلما رفعت السماعة
وقلت
"آلو.. بــابـــا"
أرى دموع تترقرق في عيني أمي وجدتي وعمتي
كل واحدة تشيح بوجهها عن أختها
حتى لا ترى منها دمعة..!!
ثم تعود وتنظر وعلى وجهها
ابتسامة...
لكنها.. مرتجفة..!!!
أحيانا..
عندما اسمع أمي تدعو..
كنت أراها تبتسم..
وأحيانا يخنقها البكاء..
فتبـكــي وتبـكــي
حتــى ما تستطيع الوقوف..
حتــى... تجثــو...!!
أما جدتي..
فلم أرها- منذ رحلت يا بابا- تبستم
إلا فيما ندر..
في دعائها..
أرى الأنهار من عينيها
تنهمر..
لا اعرف ماذا أفعل حينها
غير أني
في خشوع انصت
ولكفيّ الصغيرتين
أرفع..
وأردد..
اللهم استجب.. اللهم استجب..
هذه عمتي وصلت إليّ الآن...
لحظه عمتي...
لا تأخذيها منيّ..
بابا...
أريد أن أكون مثلك.....؟
مثلك.....؟
نسيت الكلمة...!!
ماذا كان دعاؤك دوماً؟؟
نعم.. تذكرتها..
شهيد..
شهيد..
بابا...
أنا أريد أن أكون مثلك يوما... شهيد...!!
وأنتي أختي..
هل تريدين أن تكوني- مثلي وأبي- شهيد؟؟؟
(تنظر في وجه أختها...
ترى ابتسامة..
وتسمع صوت ضحكة)....!!!
**** * * * ****
عـــــــــذراً أحبتي!!
لم يسدل الستار..
ولن يسدل يومـاً..!!
فهذا مشهد يتكرر...
دومـاً...
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إن المسلم كالشمس..
إذا غربت في جهة...
طلعت في جهة أخرى..
فلا تزال طالعة..!